2011/12/31

الحياة وطقوس العبور عند مجتمع البيضان

غلاف الكتاب
صدر للباحث والناقد التشكيلي الصحراوي، ابراهيم الحَيْسن، كتاب جديد بعنوان "ثقافة الصحراء: الحياة وطقوس العبور عند مجتمع البيضان"، وهو من القطع المتوسط يقع في 318 صفحة مُذَيَّل بملزمة ملوَّنة تجسِّد جوانب من مظاهر العيش في الصحراء.
ويروم الكتاب رصد أهم السمات والخصائص الأنتروبولوجية المميِزة للمجتمع البيضاني، من خلال مقاربة مجموعة من المواريث والرواسب الثقافية التي وقرت وترسخت كثيرا في أذهان النَّاس وأغنت مسار تشكل هذا المجتمع البدوي، منها عناصر الثقافة المادية والرمزية كالمعتقدات الشعبية والعادات والتقاليد والشعائر وطقوس الانفصال والاتصال والاندماج والتحوُّل وعلاقتها بالعديد من الاحتفاليات الدينية والاجتماعية...


الكتاب مُقسم إلى أربعة فصول ذات مضامين تتطرق إلى البداوة كنظامٍ معيشي بالصحراء يعتمد بالأساس على الإنتاج المُعَدِّ للاستهلاك اليومي ويقوم على التِّرحال، بمستوياته المتعدِّدة، ويجعل من الطبيعة مصدراً وحيداً للعيش والإنتاج. في ضوء ذلك، يبرز التقسيم التالي داخل البنية الاجتماعية لبدو الصحراء:

أ- العشائر الجمَّالة، أو أهل لْبَلْ (الإبل): بدو أقحاح ذوو النجعة البعيدة. فهم يتَّخذون الخيل لركوبهم والإبل لمعاشهم (حمل الأحمال، الرحيل، التغذية..).

ب- العشائر الغنَّامة، أهل الغنم: نصف رحل وذوو نجعة محدودة. يعتاشون من رعي الأغنام والماعز.

ج- عشائر مستقرة: أهل المَدر يعيشون بشكل مستقر. ومن أنواع ترحالهم: التِّرحال العادي (اختياري)، التِّرحال الاضطراري/ تفرضه ظروف طارئة، ثم التِّرحال الموسمي/ تبعا لأحوال فصول السنة وتقلباتها.

وتُبْرِزُ جوانب من خصائص بدو الصحراء كالتنقل والبساطة في المسكن والملبس والمأكل والمشرب والزينة والتزيُّن والمُداواة، إلى جانب قيم العقيدة والدين والكرم وطقوسه والجوار والثأر والتناصر. فهذه الصفات وغيرها هي سمات ثقافية ذات عمق أنتروبولوجي يرسم نمط عيش البيضان ويجسد جوانب من تفكيرهم وأشكال تواصلهم وتكيفهم مع المكان والحيوان والإنسان.

كما تتناولُ بدو الصحراء كَكِيَّانٍ اجتماعي وكقوَّة بشرية قائمة بذاتها، متنقِّلة أو مُقيمة على أرضٍ محدَّدة، لها لهجتها الخاصة والمشتركة وتجمع أفرادها علاقات نسبية وقرابية خاصة وعصبة دموية، إلى جانب المصاهرة والتفاعل الاجتماعي والتناصر وتوزيع السلطة والثروة والممتلكات العامة والمشتركة.

من جهة أخرى تبحثُ فصول الكتاب في الجذور العميقة المؤسِّسة للنسقِ الثقافي بالصحراء، من خلال تدوين وتحليل ومقارنة ما جاء على ألسنة الرُّواة والأهالي والإخباريين (العرَّاف)، إلى جانب محاولة الإجابة على جملة من الأسئلة التي تقود إلى فهم المعاني الحقيقية والجوهرية لهذه الثقافة.

وتتناولُ مجموعة من التقاليد وطقوس العبور التي تَنْبَنِي عليها دورة الحياة لدى المجتمع البيضاني كطقوس الولادة والختان والزواج والطلاق وشعائر الموت والدَّفن، فضلاً عن طقوس اللعب والهول والغناء والرقص الاحتفالي والتفكُّه والفرجة الشعبية..إلخ. مع ما يُرافق ذلك من ممارسات خرافية نابعة من فكر ميثولوجي معقَّد.

إن هذه الطقوس والشعائر يمكن تقسيمها إلى ثلاثة أنواع عامة، حسب الكاتب الصحراوي، ابراهيم الحيسن، وهي: شعائر الانفصال، وهي مجموعة طقوس تؤدِّيها المجتمعات في حالة انفصال الفرد من مرحلة عمرية معيَّنة ليتهيأ للانضمام إلى مرحلة عمرية تالية، كانفصاله عن مرحلة الطفولة ليلتحق بمرحلة البلو، شعائر الانتقال، وهي ممارسات طقوسية تؤدِّي إلى تأهيل الفرد للانضمام إلى المجموعة العمرية الجديدة كتهيئة الفتاة المخطوبة للانتقال من حياة العزوبية إلى مرحلة الزواج، وتحريم بعض الأطعمة على المرأة الحامل كي لا يتأثر الحمل، ثم شعائر الاندماج، وتشمل العادات والممارسات التي يؤدِّيها الناس لدمج الفرد في المرحلة العمرية الجديدة، كمراسم الزواج وطقوس الولادة وغير ذلك مما يشيع في المجتمعات الإنسانية.

ويرصدُ الكتاب التطوُّر التاريخي لثقافة المجتمع البيضاني باعتماد منهج علمي (إثنو- أنتروبولوجي) يأخذ بعين الاعتبار التغيُّر الاجتماعي ومسار التحوُّل والنقل الثقافي وأسبابه ودوافعه لدى أبناء هذا المجتمع وهذه الثقافة. ومن ذلك: تأثير القيم الوافدة والبرَّانية، التمدُّن والانخراط في حياة عصرية جديدة، تزايد فرص الاتصال والاحتكاك بعوالم ما وراء الصحارى، الاستجابة لمطالب التغيُّر الثقافي ولمشروعات الاستقرار، ظهور تغيُّرات إيكولوجية حتمية تواءمت معها ظروف التغيير، حدوث تفكُّك وانشطار وانقسام وغياب الوعي بمسألة الهوية الثقافية: إشكالية بيداغوجية، التقصير في التلقين والتوارث التعليمي..

إن "ثقافة الصحراء/ الحياة وطقوس العبور عند مجتمع البيضان" هو الإصدار الثاني عشر في رصيد الناقد الصحراوي ابراهيم الحَيْسن، ينضاف إلى مجموعة من الأبحاث والدراسات حول التراث الشعبي الحسَّاني والفن التشكيلي، وتوجد له دراسة جديدة أخرى سيتم توزيعها بعد أسابيع معدودة صادرة ضمن منشورات مجلة عالم التربية في موضوع: "الفن والتكنولوجيا/ مستقبل الدرس التشكيلي في عصر الميلتي ميديا".

وفضلاً عن ذلك،فلناقد اراهيم الحَيْسن دراسة سوسيو-ثقافية تحت الطبع حول: "طابو الجنس..واللذة المحظورة في الصحراء"، إلى جانب أخرى مقترحة للنشر تحمل عنوان: "السلطة البيداغوجية/ الهرميات المدرسية وإعادة إنتاج الهيمنة".

هناك 5 تعليقات: